3 أكتوبر 2011

مرض اسمه التأجيل

مرض اسمه التأجيل

كتابات - بشرى الهلالي

 يهبط الليل. منا من يذهب الى النوم دون ان يفكر بالغد، بل يفضل نسيان ما حصل اليوم وما سيحصل غدا لكثرة ما صادفه من التعب. ومنا من يعطي عقله الايعاز الى المفكرة اليومية لتعمل وتنظم اعمال الغد، برغم ادراكه ان اذكى روزنامات الأرض لن تستطيع الإيفاء بكل الإلتزامات، فيجد نفسه ملزما بوقت العمل الذي يأخذ اكثر من نصف النهار، إذا كان موظفا، بينما تأخذ الإختناقات المرورية ربع النهار. أما إذا استسلم لرغبته بتدليل روحه والعودة الى البيت لتناول طعام الغداء او الاغتسال فإنه سيجد ان المساء قد هبط سريعا وان الخروج من البيت قد ترافقه بعض المخاطر فيضطر لإلغاء مشروعاته والبقاء في البيت.

 قبل ايام اذيع خبر عن قيام بعض العلماء الأميركان بدراسة امكانية زيادة عدد ساعات اليوم الى اكثر من اربع وعشرين ساعة. بدا الخبر طريفا، فالزمن ليس شيئا ملموسا بل نحن من صنع الزمن والتوقيت، وجاء الوقت الذي تجاوزنا فيه الزمن فلم تعد ساعات اليوم كافية لكل ما نود القيام به. يقف بعضنا حائرا امام احاديث الكبار الذين يتحدثون عن زمنهم الماضي حيث كان لديهم الكثير من الوقت للقيام بكل ما يودون عمله، فما الذي اختلف بين الأمس واليوم ليصبح التأجيل آفة تتغلغل بشراسة بين ملفات مفكرة ايامنا ليمر اليوم من دون ان ننجز ما خططنا له في الليلة السابقة ويمر الغد وبعده غد آخر لنجد ان الأشياء والمشروعات تراكمت ولم يعد لدينا متسع من الوقت حتى لترتيب اشيائنا ومواعيدنا ومشاويرنا؟ اين يكمن الخلل، فينا ام في الزمن او التوقيت؟

 قال محمد الماغوط في لقاء معه قبل وفاته (العرب يحتقرون الزمن والزمن لايحترم احدا) ويقول البعض ان عدم احترامنا للزمن هو الذي يدفعنا الى الخلف دائما، بينما تتقدم امم العالم التي يتعلم افرادها منذ الطفولة كيفية تنظيم الوقت واستغلاله، ربما يكون بعض هذا صحيحا، قبل ان نركن الى هذه الأسباب علينا ان نتساءل..هل يعاني الغربيون نفس المتاعب التي يصرف فيها العربي عموما والعراقي خصوصا الوقت فيها؟ هل يعيق انقطاع التيار الكهربائي مشروعاتهم؟هل يعيشون مشكلات مرورية خانقة تتآكل فيها نهاراتهم؟ هل يخيم الكسل على ليلهم بسبب الظروف الأمنية التي تمنع الأكثرية من استغلال بعض ساعات الليل التي قد يحتاجها على الأقل للترويح عن نفسه او انجاز بعض الإلتزامات الإجتماعية؟ هل يضطر اغلبهم للعمل منذ الصباح حتى الليل من اجل ايفاء التزاماته؟ وهل يضطرون الى الوقوف في طوابير للحصول على الوقود او اجراء المعاملات او..او ..او. قد تكون كل هذه اسبابا قوية لسرقة ساعات اليوم، ولكن تبقى هنالك اسباب اخرى جوهرها الإنسان الذي اختار الإستسلام وتجاهل قيمة الوقت، فوقت الفراغ الذي قد يتوفر لنا احيانا يقضيه بعضنا في النوم الى ساعة متأخرة وربما يقضي البعض ساعات طويلة في متابعة القنوات الفضائية، بينما يفضل شباب اليوم قضاء وقت الفراغ  بين غرف الجات، لأننا تعودنا التطرف في كل شيء، في الحزن والفرح والغضب والجهل والعبقرية وحتى في الإهمال. ولأننا تعودنا ان نصرف وقتا في الكلام اكثر منه في العمل، بينما استغرق بعضنا في التفاصيل الصغيرة.

والمؤلم ان اغلبنا لايدرك انه بتأجيل عمل اليوم الى الغد انما يسرق يوما من عمره، ويوما بعد يوم تجري من بين يديه واقدامه كجدول ماء يرى صورته فيه دون ان يستطيع امساكها او حتى امعان النظر فيها. قد يقول البعض ان تنظيم الوقت في بلد يفتقر الى التنظيم يصبح مستحيلا، ولكن الخطوة الأولى تبدأ من الإنسان.. من رغبته في بناء نفسه بشكل صحيح ومن بحثه عن المفيد، وربما تكون الخطوة الأولى بان ينتبه كل منا الى نفسه.. يمنحها بعض الوقت لتستريح وتسترخي ليعرف ما تريد. فقد تأتي لحظة يكتشف فيه انه يجري في طريق غير الذي اختطته له روزنامة حياته يوم ابتدأ الجري.. فلم نجر ِفي فراغ ونؤجل حتى احلامنا وكل مانحتاجه بضع دقائق نجدول فيها افكارنا لنبدأ يوما جديدا ونحن ندرك اين نضع خطواتنا؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق